بوفاة الفنانة فاطمة حسن الثقافة المغربية تفقد علما بارزا من أعلامها الفنية

غيب الموت، في الأسبوع الأول من هذه السنة (2011) الفنانة المغربية الكبيرة، فاطمة حسن، وهي من ألمع الأسماء التشكيلية في المغرب الحديث، إذ يعد غيابها خسارة عظمى للثقافة المغربية المعاصرة عامة، وللحركة التشكيلية المغربية/ العربية على الخصوص.
عرفت الساحة التشكيلية المغربية اسم فاطمة حسن كطاقة إبداعية متجددة، يشع الرسم عندها بالأشكال والألوان والنماذج البشرية الحالمة والمسحورة، منذ أربعة عقود، إذ اختارت منذ البداية عالم الجمال الرحب الذي يحتضن هذا الكون الساحر، فاختارت بذلك الإيقاعات الأكثر انسيابا، والتراكيب الأكثر صلابة، جاءت كل رسومها وتخطيطاتها الخالية من التضخيم، متينة وصادقة ومتميزة، متشبثة بفطريتها الأصيلة،.


اللون السحري في أعمالها التشكيلية، شكل دائما عالما علويا ملينا بالتأملات، حدائقه متناسقة تطفح بالغنائية والشاعرية والجمال، ومن خلال هذا الكون اللامتناهي، اهتمت فاطمة حسن بكل ما يحيط بها من أشياء وأماكن وقضايا وعادات، فرسمت ما التقطته عدستها بإخلاص ودقة دون محاولة لعقلنة الأشياء، فجاءت موضوعاتها على مستوى كبير من الجمالية.
أعمالها الفنية أكدت باستمرار ذلك الإصرار المتواصل على إيجاد طريقة متميزة للتعبير عن ذات مبدعتها وأحاسيسها تجاه الأشياء، اعتمدت على اللون والرموز والزخارف الشعبية، فاللون عندها يكتسب أهمية أولية، إذ استعملته على طبيعته بفطرية وتلقائية، دون اهتمام بتدرجاته أو صقله، في حين تحتل الرموز والزخارف والأشكال الهندسية المتنوعة سطح المساحات في مجمل أعمالها الفنية.
رسومات فاطمة حسن، تشع بالأشكال والألوان والنماذج البشرية، تشع بعالم فطري أصيل رحب، يحتضن جماليات هذا الكون الساحر بلغة بسيطة وصادقة، تعكس إصرارها المتواصل، على تحقيق ذاتها الإبداعية، بما تنجزه من محكي بصري، إذ كان إصرارها على إيجاد طريقتها المميزة للتعبير عن ذاتها وأحاسيسها تجاه العالم والناس والأشياء، بلغة تشكيلية، بليغة وواضحة، دائما ومستمرا.

في مسيرتها الإبداعية، حرصت فاطمة حسن على "العودة" إلى "الأشكال التراثية" وهو في الحقيقة حرص على الابتعاد عن الانبهار بالمدارس الغربية، إن التزاويق، والزخارف الشعبية، والرموز العديدة والمتنوعة التي تطفح بها الفنون الشعبية المغربية استعادت محاولتها في إيجاد صيغة متميزة لمنجزاتها الفنية.



حاولت –رحمة الله عليها- أن تتفهم كل الأشياء المتواجدة حولها، وإخراجها في صيغة تحمل بصماتها الشخصية، الأساس عندها كان يكمن في ذلك العالم السحري المليء بالإبداع... وبالتراث أيضا، معايشتها لمعطيات العصر الراهن لم يكن يعني عندها التغافل عن ذلك التراث العريق، المليء بالتموجات والذي يشكل هوية متميزة لها كفنانة تنتمي لعصرها وهويتها.
إن حرص فنانتنا الراحلة على "العودة" إلى "الأشكال التراثية" كان في الحقيقة حرصا على الابتعاد عن الانبهار بالمدارس الغربية، فهي عن طريق التزاويق، والزخارف الشعبية والرموز استعادت محاولتها في إيجاد صيغة متميزة لمنجزاتها الفنية.
ولأن المرأة في لوحات فاطمة حسن قبل أن تكون جسدا أو جنسا ملئ بالإغراءات، كانت فكرة، سمحت لنفسها إعادة تركيب الذات، لكسب مزيد من الحرية والجمالية التي جندت المبدعة نفسها لخدمتها بالأسلوب الذي ينسجم ونظرتها للحياة بكل ما هو مترسخ وما هو حالة تأملية تجديدية، فاختارت المساحات العريضة، للتعبير عن تغطية ما هو تافه بما هو أهم، ما هو ساكن -الجدار- بما هو متحرك، أي التشكيلات اللونية التي تريح حاسة البصر وتنمي الذوق الجمالي في النفس، إنها بحكم تكوينها العصامي ومعايشتها للتحولات الحاصلة في حياة المرأة المغربية، وجدت نفسها وهي تقوم بإنجاز لوحاتها مضطرة لضبط اللحظة الانتقالية في حياة المرأة، سواء كانت على مستوى اللباس... أو رموز التزيين التقليدية... أو الأفراح والممارسات التي لا تكتمل إلا بوجود جانب هام من الحلم وجانب من السحر أيضا.
لذلك سيكون مفيدا لدارسي أعمال فنانتنا الراحلة بالغوص في سردياتها العجائبية، لتلك المكونات الإبداعية لعالمها السحري، لشخوصها الأسطورية، لحيواناتها الغريبة، التي تنقل مشاهديها خارج الزمن، من داخل أزمنتها المشرعة على الطفولة بكل مفرداتها وتراكيبها الفنية، بل بكل سحرها اللامتناهي.
الراحلة فاطمة حسن من مواليد مدينة تطوان، سنة 1945، عصامية، ظهرت أولى أعمالها الفنية سنة 1965، بمعرض جماعي احتضنته قاعة باب الرواح بالرباط، لتلفت نظر المهتمين، بالفن الفطري، الذين أطروا مشاركاتها في الساحة التشكيلية.
توجد أعمالها بعدد من قاعات الفن الحديث بأروبا وافريقيا والولايات المتحدة الأمريكية.

محمد أديب السلاوي