ريجيس دوبريه، رفيق تشي غيفارا ومستشار الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران والمفكر حول قضايا «الميديولوجيا»، «التحق» وهو في السبعين من عمره – بأكاديمية «غونكور» (التي تأسست العام 1900 والتي تمنح جائزتها الأدبية العريقة في خريف كلّ عام) بدلا من الكاتب ميشال تورنييه الذي تخطى الثمانين (العمر الأقصى) منذ سنوات عدة، وليصبح بذلك أحد أعضاء هذه الأكاديمية إلى جانب إدموند شارل – رو وجورجي سمبرن وبرنار بيفو وغيرهم. الخبر، أعلن خلال الاجتماع الأول لأعضاء الأكاديمية هذه السنة الذين قالوا إن تورنييه كان قد طلب انسحابه في شهر حزيران من العام المنصرم (2010 ) نظرا لتقدمه في السن. وبذلك يكون دوبريه الشخص الثالث الذي التحق بغونكور منذ العام 2008 (الطاهر بن جلون وباتريك رامبو).
وفي بيان ألقاه بعد الاجتماع، قال برنار بيفو إن ريجيس دوبريه «كاتب ممتاز، وهو مفكر وله مكانه في الأكاديمية» وأضاف: «كان هناك العديد من أعضاء الأكاديمية الفرنسية الذين تمنوا انتخاب دوبريه في هذه المؤسسة العريقة، إلا أن الكاتب رفض ذلك على الدوام. لذلك نشعر نحن بالفخر الكبير باستقباله بيننا». من جهته اعتبر الكاتب باتريك رامبو أن دوبريه شخص «يجيد القراءة وبخاصة يعرف كيف يقرأ وهو جالس إلى الطاولة» وأضاف: «ستصبح غدواتنا كل ثلاثاء أكثر جاذبية» قبل أن يختم بالقول مذكرا بأن دوبريه خسر جائزة غونكور ذات مرة بفارق صوت واحد. ومن المعروف أن هذه الأكاديمية تمنح في بداية شهر تشرين الثاني من كلّ عام – خلال حفل في مطعم «دروان» بباريس – أكبر جائزة أدبية فرنسية التي تسبقها عادة «هيستيريا إعلامية ضخمة».
ولد دوبريه في شهر أيلول من العام 1940، وبالتأكيد لن يأتي انتخابه ليجعل الأكاديمية «أكثر شبابا» أو أكثر «أنوثة» (إذ هناك ثلاث كاتبات فقط من بين أعضاء اللجنة العشرة) إلا أن «الثائر» القديم – المتخرج من «الإيكول نورمال العليا» والحائز «شهادة الأغريغاسيون» في الفلسفة – سيضيف الكثير من النقاشات في جلسات الأعضاء، وبخاصة أنه لا يزال يدافع عن عالم أكثر ثقافة وتعلقا بالكتب مثلما لا يتوقف عن التحذير من خطر الشبكات العنكبوتية (الانترنت) وعوالم الميديا المتعددة. من آخر كتبه – صدر في العام الماضي – كتاب «مديح الحدود» (منشورات غاليمار) الذي أتى بمثابة هجوم ضد «مفاهيم العولمة وانحلال الكون».
من آخر مقالات دوبريه السياسية – وهو الذي دعم «جبهة اليسار» في الانتخابات الأوروبية العام 2009 – البيان الذي نشره في صحيفة «لوموند» (الفرنسية، نهار الثلاثاء الماضي أيضا) والذي وقعه مع ستة مؤرخين آخرين من بينهم بيير نورا وجاك لوغوف، وقد طالب فيه رئيس الجمهورية الفرنسية ساركوزي، بعدم التنازل عن «فندق البحرية» (الواقع في ساحة «لوكونكورد») نظرا لما «يحمل هذا المكان العريق من تاريخ» بعد أن أعلن بعض المستثمرين رغبتهم في استئجاره.
يذكر أن من بين ابرز التزامات دوبريه السياسية، ذاك الذي جعله إلى جانب تشي غيفارا العام 1967، حيث أصبح «الرفيق دانتون» (الاسم الحركي) وحيث ألقي القبض عليه ليسجن عدة أشهر في بوليفيا، في «كاميري» حيث حوكم واتهم بمشاركته في نصب كمين للجيش البوليفي الذي فقد فيه 18 قتيلا.. وقد صدر الحكم عليه بالسجن العسكري لمدة ثلاثين عاما، بدلا من إعدامه. بيد أنه أمضى فيه أربع سنوات قبل أن تنجح الحملة العالمية في الإفراج عنه، ليقيم بعدها في تشيلي قبل أن يعود إلى فرنسا العام 1973. بعد أربع سنوات يصدر روايته «الثلج يحترق» (صدرت يومها بترجمة عربية عن «دار الآداب» في بيروت) التي حازت «جائزة فمينا».
منذ العام 1991، اتجه للكتابة عن الميديا لينشر «محاضرات في علم الميديا العام» و«حياة الصورة وموتها» و«قصة النظر في الغرب». ومن بين موضوعاته المفضلة التي تناولها في العديد من كتبه، العلاقة بين المقدس والدين، الشرق الأوسط، انحدار الأدب كما انحدار بعض الأفكار الفرنسية.